الموت في المنام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
أيها الإخوة المتابعين لدورة التفسير للمنامات والزوار الأكارم حياكم الله جميعاً ،
درسنا اليوم يتناول موضوع الموت ودلالات رؤية الموت في المنام من ناحيتين
مختلفتين ، رؤية الميت بكافة أحوال هذه الرؤية ، ورؤية الإنسان الحي وقد
مات ،
وبالاتكال على الله تعالى نبدأ فنقول إن من الخطأ الفادح مما يتبادر إلى
أذهان البعض لدى رؤيتهم لإنسان ميت في منامهم أن الموت أو على الأقل الخراب
_ سيحلُّ في المنطقة ،
إذاً علام تدل رؤية الموت في المنام ؟ وهل هي دلالة خير أو دلالة شر ؟

هنا نأتي إلى اختلاف التفاصيل بين منام وآخر فأحياناً تدل رؤية الموت على
الخير وأخرى تأتي بخلاف هذا ، ومن هنا لا بد من ذكر تفاصيل المنام كاملة ،
وكي نخرج من النظريات فإننا نضرب مثالاً واقعياً حول الأمر :

* امرأة تقول للمفسر في خوف وقلق :
زوجي رأى في المنام أنه قد مات على السرير ،
فيرد المفسر عليها بكل ثقة وحسم :
إن زوجك قلبه ميت ويقترب من النفاق .. والمشكلة أنه لا يحس بأنه يرتكب أي خطأ ،
وإنما هو يشعر بالسرور لبعده عن الله تعالى !!
فتقول الزوجة :
ولكن رأى أيضاً أني بكيت عليه ؟
فيرد المفسر بنفس اللهجة الواثقة الحاسمة :
أمر طبيعي .. وبكاؤك في المنام هنا هو دليل الفرج لك من الهم .

وطبعاً المفسر هنا أخذ ببعض الأمور المنطقية فعلاً ، فرؤيتنا لشخص ما في
منامنا أنه قد مات فإن هذا دليل على موت قلبه ببعده عن الله تعالى ، بينما
السرير يرمز إلى السرور ، والبكاء يدل على تفريج الهموم ، و... ، ولكن
دعونا نطالع تفاصيل المنام كاملة كما رآها الرجل :

* رأى هذا الرجل في نومه أنه لم يعد يستطيع أن يحتمل الهموم التي تلاحقه
بسبب حياته الزوجية ، فيستلقي على السرير وهو متألم من زوجته ، ثم يموت ،
فتبكي الزوجة مع صراخ فيشعر الرجل بالشفقة عليها ويقول لها مش تصرخي أنت امرأة وعاوزة الجيران يسمعوا صوتك .. وخلص أنا سامحتك ،
ويكون رغم أذاها له قد سامحها الله فعلاً ...

إذاً هل عاد تفسير المفسر ذاك يخضع للصحة ؟ الإجابة هي طبعاً كلا رغم استدلالاته على تلك الأمور المنطقية التي ذكرناها ،
بل إن الأمر ينقلب في تأويله انقلاباً تاماً .. فالمرأة هنا هي أساس
المصائب (بكاؤها مع الصراخ) والرجل يأتي السرير طلباً للسرور ولكن السرور
مع زوجته قد انتفى تماماً وهذا معنى الموت هنا ،
أي أن علاقتهما الزوجية قد ماتت بسبب الزوجة وعدم تقديرها لشيء من الأمور
.. ثم مع هذا الرجل يغار عليها واقعياً ويحتمل أذاها ولا يطلقها رغم ما هو
فيه من العذاب بسببها (يخشى أن يسمعوا الجيران صوتها ويسامحها) أي يريد
لصورتها أن تبقى مضيئة لامعة في عيون الناس .

ومن هنا تتضح لنا الأهمية البالغة في رواية كل تفاصيل المنام كي لا ينقلب
الأمر بالتأويل إلى وجه غير صحيح بالمرة ، كهذا المثال الذي قد ذكرناه الآن
،
المفسر نظر للرجل على أنه في طريق النفاق وأن الزوجة هي المهمومة المكروبة
.. بينما كان المنام يدل على صبر هذا المسكين واحتماله الأذى وستره على ما
تسبب له تلك الزوجة ،
وهذا ما يظهر لنا أنه من الخطأ الاعتماد على المقولات الشائعة الخاطئة في
تأويل رؤية الموت في المنام واعتباره سبباً لمصائب قادمة لا سمح الله .

وربما قال قائل إن رؤية إنسان قد مات تدل على نفاق في القلب ما لم تكن هناك
تفاصيل تُخرج المنام عن وجهه هذا إلى وجه آخر كما في المثال ، ولكن رؤية
الميت بنفسها لا بد أن تحمل السيء خاصة إن قام هذا الميت بعمل ما ، كأن
يصافح أو يحتضن أو يقبل صاحب الرؤيا أو أحداً ما من المعارف ، أو أنه يعني
للمريض اقتراب الموت ، أو إن رأيناه فقيراً فهذا دليل افتقاره للأعمال
الصالحة ، أو لعل رؤيتي لميت وجهه مسود تعني أنه من أصحاب الجحيم ،
والإجابة هي صحيحة في الشق الأول ولكنها ليست كذلك في الشق الثاني أبداً
... ولنبدأ من النهاية إن رأينا في نومنا ميتاً مسود الوجه فهو طبعاً ليس
سعيداً إطلاقاً في ديار الحق ، ولكن لننظر أولاً إلى تفاصيل حالته الواقعية
، قبل أن نحكم عليه بأنه من أصحاب النار ، فلعله قد مات وعليه ديون فحجب
عن الجنة حتى يفيها ، أو لعله مات مخلفاً وراءه زوجة حبلى (والجنين أنثى) ،
وبعد الإحاطة بكافة التفاصيل يمكن لنا أن نحكم بالتأويل الصحيح .

ونتابع معكم عبر عرض الرؤى التفاعلية ما بين صاحب المنام والميت الذي يراه في نومه ، وذلك بعرض بعض النماذج البسيطة :

1_ ولد مريض تراه والدته في نومها وقد مات ،
فما يمكن أن يعنيه هذا ؟؟
2_ شخص رأى ميتاً يعانقه ،
وآخر رأى نفسه يبادر بمعانقة شخص ميت .
3_ شخص رأى نفسه يقبل إنساناً ميتاً ،
وآخر رأى إنساناً ميتاً يقوم بتقبيله .

كل تلك الحالات والنماذج (المخيفة) كما يظن أصحابها ليس فيها أي شيء يخيف
عملياً ، وكلها دلالات الخير بإذن الله تعالى ، فكما أن الموت ختام الحياة ،
فإنه ومن قلب الموت تنبثق الحياة ، ومن هنا فإن رؤية مريض قد مات تدل في
غالبية الأحوال على شفاء هذا المريض ، ولكن هنا شرط ما ، ألا تكون أم هذا
الولد المريض أو من رأى المنام عنه مدركين فعلاً أنه قد بات في الحالة
الميؤوسة منها ثم رأوا ما رأوه من موته ، فإن هذا ليس يدل على الشفاء بل هو
ترجيع باطني لما يخافون منه من موت ابنهم لاشتداد المرض عليه ، وكذلك هناك
حالة أخرى هنا أن يكون المريض فعلاً بات في مرحلة النزاع مما لا يرتجى
شفاؤه قط ، فلعل من يراه قد مات من أهل بيته إنما أراه الله سبحانه وتعالى
أن معاناة هذا المريض ستنتهي فعلاً بموته ، وتبقى لنا الحالة الأخيرة والتي
يمكن أن نطلق عليها اسم (الحالة الشفافة) وهي هبة من الله لأناس معينين
يأتي المنام كما رأوه تحديداً .. فتنتفي ها هنا الرموز ، ومن هنا مثال
أذكره حين كانت جدتي مريضة جداً وحالتها في النزع الأخير ، رأتها زميلة
أعرفها _ ولا تعرف هي جدتي_ أن الأخيرة قد ماتت ، وبالفعل صحونا على نبأ
وفاتها رحمها الله .

ونأتي الآن إلى معانقة الميت ، فلمن رأى أنه يعانق الميت ، فإنها بشارة بطول العمر له من الله تعالى (بإذن الله) ،
أما إن رأى ميتاً قد قام بمعانقته ، فهو الدليل على اقتراب أجله ، ما لم
يكن الأمر عائداً للترجيع الباطني ، كأن تكون نفسه تشعر بالحنين لشخص فقده
في العائلة ويفكر فيه دوماً لشدة حبه له ، ثم رآه في نومه يعانقه ، فهذا
التحديث للنفس يخرج بالمنام عن دائرة التأويل هذه .

أما مسألة رؤية (القبلة) بين صاحب المنام والميت ففيها التفصيل أكثر ، إذ يستلزم النظر في الأمر هل هذا الميت معروف لصاحب المنام ،
أو أنه مجهول تماماً بالنسبة إليه ؟؟
فلئن قبل ميتاً يعرفه واقعياً دل هذا على انتفاعه مما ترك هذا الميت خلفه من المال أو من العلم ،
أما إن رأى نفسه يقبل ميتاً مجهولاً فإنه يدل على رزق طيب من المال يأتيه من غير لم يكن يحتسب ،
وهاتان الحالتان فيما لو رأى نفسه يقوم بتقبيل الميت ، أما لو رأى في نومه
أن ميتاً أتاه ليقبله ، فإن كان يعرف هذا الميت فإن صاحب المنام ينال من
عقب هذا الميت خيراً ، وإن كان لا يعرف هذا الميت الذي أتاه وقبله ، فإنه
ينال خيراً من موضع لم يكن يرتقبه قط ، ويخرج من صحة حالة تفسير رؤية
القبلة للميت كما في الحالة السابقة إن كان يعرفه ويشعر بالحنين والشوق
الشديدين إليه ،
والله تعالى أعلم